مقالات

عندما تبهت الأخلاق وتعلو المصالح: أين تختبئ الإنسانية؟

الإعلام مسؤولية قبل أن يكون مهنة.
الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بالوعي.
كن صوتًا للحق، لا صدىً للضجيج.
في عالم مزدحم بالضجيج، الصدق ثورة.
الإنسانية تبدأ بكلمة صادقة.
أثر الكلمة لا يُمحى مهما صغر.
لا إعلام نزيه دون ضمير حي.
اكتب لتُنير، لا لتُثير.
الحرية مسؤولية لا فوضى.
العدسة أمانة قبل أن تكون أداة.

هل ما زال للإعلام الحر وجود حقيقي في عصر الذكاء الاصطناعي؟
سؤال يطرق بقوة أبواب الضمير الصحفي، ويعيد فتح ملفات كانت تظنها البشرية قد أغلقتها منذ عقود. فبينما وفّر الذكاء الاصطناعي فرصًا غير مسبوقة للإنتاج الإعلامي، فقد أطلق في المقابل يد القوى الكبرى للسيطرة والتحكم وتزييف الوعي الجمعي بطرق أكثر تطورًا وخفاءً.

مفهوم الإعلام الحر: هل ما زال كما هو؟

الإعلام الحر، كما عرفه الآباء المؤسسون للصحافة، هو القدرة على نقل المعلومة دون تدخل الدولة أو رأس المال أو أي سلطة ضاغطة. لكنه في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي لم يعد متعلقًا فقط بالمحتوى، بل أيضًا بالخوارزميات التي تُظهر أو تُخفي، تُضخّم أو تُقلل.

فمن يتحكم اليوم في خوارزميات المنصات الكبرى، يتحكم فعليًا في الإعلام، حتى وإن بدا أن الصوت حرٌ والمحتوى متاح. إنها حرية زائفة ملوّنة بألوان الذكاء الاصطناعي!

الذكاء الاصطناعي: خادم الإعلام أم سيده؟

قد يُخيّل للبعض أن أدوات الذكاء الاصطناعي جاءت لخدمة الصحفيين، من خلال كتابة المقالات، وتحرير الصور، وترجمة المحتوى، وتحليل البيانات. وهذا صحيح ظاهريًا.
لكن الحقيقة الأعمق هي أن الذكاء الاصطناعي بات أداة رئيسية في صناعة وتوجيه الرأي العام، واستخدامه في غرف الأخبار لا يقتصر على المساعدة التحريرية، بل يمتد إلى التوجيه الأيديولوجي من خلال تقنيات التوصية والتصنيف الذكي.

مثال بسيط: منصات التواصل الاجتماعي تختار لك ما تقرأ، من تقترح عليك متابعته، وما هو “الترند” حاليًا. هذه ليست قرارات عفوية، بل نتائج مدروسة لخوارزميات تديرها شركات تبحث عن الربح والنفوذ أكثر من الحقيقة.

أزمة الحقيقة في زمن المحتوى الآلي

في السابق، كانت الصحافة تبحث عن الخبر، وتتحرى صدقه.
أما اليوم، فأصبح المحتوى نفسه منتجًا آليًا يُصنع بأوامر صوتية أو نصوص مُبرمجة. فكيف يمكن لنا كمستهلكين أن نميز بين مقال صادق و”محتوى مولَّد” لأغراض تجارية أو سياسية؟

بل الأخطر من ذلك، أن الذكاء الاصطناعي قادر على محاكاة أسلوب الكتابة البشري بشكل يكاد يستحيل تمييزه، ما يجعل التضليل الإعلامي أكثر انتشارًا، والأكاذيب أكثر قابلية للتصديق.

الرقابة الناعمة: كيف يُكمَّم الإعلام “الحر” بصمت؟

لم تعد الرقابة تُمارس بالصوت العالي والحجب الصريح، بل صارت “رقابة ناعمة” تُدار من خلف الشاشات، عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تصنف المحتوى، وتخفض ظهوره، أو تضع عليه علامات تحذير.

هذا النوع من الرقابة أخطر لأنه لا يُعلن عن نفسه. الصحفي أو الكاتب لا يُمنع من النشر، لكنه ببساطة لا يُرى. وهنا تُقتل حرية التعبير بطريقة لا تُحاسَب.

هل من أمل؟ كيف يستعيد الإعلام حريته؟

رغم كل ما سبق، يبقى الأمل موجودًا.
فالحلول تبدأ من الوعي، ومن تطوير أدوات ذكاء اصطناعي بديلة مفتوحة المصدر، تُدار بشفافية، وتحترم المبادئ الإنسانية والأخلاقية.
كما أن تعزيز الصحافة الاستقصائية، وتثقيف الجمهور بمهارات التحقق من المعلومات، هما خط الدفاع الأول ضد الزيف والخداع.

الإعلاميون الأحرار اليوم ليسوا فقط من يحملون الكاميرات أو يكتبون المقالات، بل من يقاومون التطبيع مع “المحتوى السطحي”، ويجتهدون في كشف الحقيقة، ولو كانت خلف جدار من الشيفرات.

خاتمة

في زمن الذكاء الاصطناعي، لم تعد المعركة بين “السلطة” و”الصحافة”، بل بين “الحقيقة” و”التحكم الخفي”.
الإعلام الحر اليوم بحاجة إلى أكثر من مجرد حرية النشر…
إنه بحاجة إلى يقظة دائمة، وأخلاقيات راسخة، وشجاعة لا تخشى خوارزميات تُقرر من يستحق الظهور ومن لا.

اظهر المزيد

د. عزيزة نور

صحفية وباحثة، منتجة أخبار وصوت محترف. عملت مع مؤسسات كبرى مثل TRT عربي، والاتحاد الدولي للصحفيين، ووكالة الأنباء الألمانية DPA. حاصلة على زمالة الجزيرة، ومتخصصة في السرد الإنساني والتحقيقات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
استمع لها بالصوت